قانون الآثار
دوتان هاليفي
ينصّ قانون الآثار في إسرائيل على أنّ أيّ قطعة من صُنع الإنسان تم إنشاؤها قبل عام 1700 تعرّف بأنّها "أثريّة" ويحميها القانون. أيّ شيء تمّ إنشاؤه بعد عام 1700 لا يُعتبر أثريًّا ولا محميًّا. يعني هذا التميّيز أنّ أكثر من 200 عام من التراث المادّيّ من الفترة العثمانيّة، بما في ذلك بقايا الثقافة المادّيّة والمعماريّة الفلسطينيّة في البلاد حتّى عام 1948، كان من الممكن تدميرها واختفاؤها على مرّ السنين دون رقيب أو حسيب، بينما تمّ الحفاظ على القطع الأثريّة من الفترات السابقة ودراستها. تحديد عام 1700 كـ "سنة عَتَبَة" في قانون الآثار خدم دولة إسرائيل في محاولة لربط الحاضر الإسرائيليّ بالفترات التاريخيّة القديمة، مع "تخطّي" التاريخ العثمانيّ والفلسطينيّ. ولكن، مصدر هذا التعريف ليس إسرائيليًّا، بل هو من فترة الانتداب البريطانيّ.
ورث البريطانيّون فكرة قانون الآثار في شكله الانتدابيّ (مثل العديد من القوانين الأخرى – تسجيل الأراضي في الطابو، على سبيل المثال) عن الحكم الذي سلفهم في فلسطين – الإمبراطوريّة العثمانيّة. سُنّ قانون الآثار العثمانيّ لأوّل مرّة في عام 1869، وتمّ تعديله في عاميْ 1874 و1884، وأُعيدت صياغته في عام 1906، حيث سعت كلّ نسخة من القانون إلى تعديل النسخة السابقة من خلال توسيع تعريف ما هو "أثريّ". كان الهدف الرئيسيّ من القانون العثمانيّ دفاعيًّا. في عالمٍ يلعب فيه التراث التاريخيّ دورًا متزايدًا في الهويّة الوطنيّة، سعت الإمبراطوريّة العثمانيّة إلى حماية ملكيّتها الثقافيّة المسروقة بشكلٍ غير رسميٍّ من مواقعها الأثريّة من قِبَل تجّار الآثار، وبشكلٍ رسميٍّ من قِبَل علماء الآثار الأوروبيّين.
في عصرٍ كانت فيه الإمبراطوريّة العثمانيّة تفقد أجزاء كبيرةً من البلاد لصالح القوى الأوروبيّة أو لمجموعات قوميّة، أصبحت القدرة على حماية الآثار دليلًا ضروريًّا على السيادة وعلى "الوعي التاريخيّ" الذي كان يُنظر إليه على أنّه جزء لا يتجزّأ من الحضارة الحديثة. بالتالي، ترمز ملكيّة بقايا ماضي البلاد فوق الأرض وتحتها إلى العلاقة بين الإمبراطوريّة ككيانٍ سياسيٍّ، والعلاقة مع أرضها والشعوب التي تعيش فيها. هدفت النسخة الأخيرة من القانون العثمانيّ لعام 1906 إلى التعبير عن هذه الفكرة: حدّد القانون قائمة انتقائيّة وشاملة لأشياءٍ من أنواعٍ مختلفةٍ، يمكن اعتبار كلّ منها "أثريًّا" – بدءًا من المباني الفخمة، وحتّى شظايا الفخار. كانت الفكرة وراء هذا التعريف الغامض هي أنّ أيّ مخزون مادّيّ من صنع الإنسان يمكن أن يندرج ضمنه، وبالتالي، يُحظر الاتّجار به أو الإضرار به دون موافقة السلطات. كان القانون العثمانيّ، بقدر ما هو معروف، القانون الوحيد في العالم الذي شمل المباني، والمعالم، والمواقع التاريخيّة، والأشياء المنقولة في نفس التعريف القانونيّ الذي نسميه اليوم "آثار".
على حدّ قولهم، غيّر البريطانيّون أجزاءً مختلفة من القانون العثمانيّ من أجل تحسين القدرة على حماية الآثار التي أصبحت آنذاك تحت سيطرتهم. كان أحد هذه التغيّيرات هو استبدال التعريف العثمانيّ الغامض لـ "آثار" بمبدأ "عَتَبَة الآثار" الذي حدّدوه في عام 1700. يمكن العثور على أصول هذا التغيير الخاصّ في مداولات مؤتمر باريس للسلام عام 1919، حيث حدّدت القوى العظمى المنتصِرة في الحرب العالميّة الأولى شروط معاهدة السلام مع القوى المهزومة. من بين أمور أخرى، قرّرت القوى أن الإمبراطوريّة العثمانيّة المهزومة – التي لم تتفكّك بعد في تلك المرحلة – ستضطر إلى تغيير قانون الآثار بهذه الطريقة. لماذا تطرّقت اتّفاقيّة استسلام الإمبراطوريّة إلى قضيّة تافهة مثل تعريف الآثار؟ تصوّرت كل من إنجلترا وفرنسا نظامًا عالميًّا جديدًا تسيطران فيه على آثار الإمبراطوريّة العثمانيّة المهزومة، ومع إدخال هذا البند، سعتا إلى اتّخاذ الخطوة الأولى نحو حقبة رائعة كهذه.
نُفِّذ التعديل في وقتٍ لاحقٍ في جميع الأراضي الانتدابيّة في الشرق الأوسط الخاضعة لسيطرة إنجلترا وفرنسا، أيّ، الأراضي العثمانيّة السابقة. ولكن، من أين أتت هذه الفكرة للجنة باريس؟ يظهر عام 1700 كسنة عَتَبَة في اللوائح البريطانيّة المعاصرة في ذلك الوقت المتعلّقة بالحفاظ على المباني القديمة في الجُزُر البريطانيّة، ويبدو أنّه تمّ استيراد هذه الفكرة من هناك إلى واضعي الاتفاقيّة. ولكن، ما العلاقة بين تفضيلات التراث البريطانيّ وعلم الآثار في الشرق الأوسط؟ يأتي هنا دور مفهوم أكثر عموميّة ميّز علم الآثار والتأريخ الغربيّ المعاصر، الذي رأى في القرون الأخيرة من الإمبراطوريّة العثمانية فترة من الانحطاط والفوضى، وحقبة لا يوجد سبب لدراستها، أو التعرّف عليها، أو الحفاظ على تراثها.
في مثل هذه الحالة، لم يكن من الغريب استبعاد القرنيْن الماضيْين من نطاق القانون، كما كان معتادًا في إنجلترا. بينما بالنسبة للعثمانيّين، يمكن أن يكون التراث الثقافيّ من أيّ فترة، من مفهوم الاستمراريّة التاريخيّة. خلقت فكرة عتبة الآثار انفصالًا بين الحاضر وما كان يُنظر إليه على أنّه تاريخيّ وقيِّم. على عكس الواقع الذي ساد في الجُزُر البريطانيّة، حيث مثّل مبدأ عَتَبَة الآثار تفضيلًا أسلوبيًّا لتحديد قيم التراث الوطنيّ، لم يكن في الشرق القديم أيّ منطق محلّيّ لهذا المبدأ. في منطقة أرض إسرائيل-فلسطين، اعتمدت أجزاء كبيرة من المشهد الطبيعيّ المعماريّ، بطريقةٍ أو بأخرى، على مبانٍ سابقة. بالتالي، هناك بالضرورة تفضيل فترة ما على حساب فترة أخرى. بشكلٍ عامٍّ، أعطت دائرة الآثار أولويّة لماضي البلاد المتخيَّل على نسيج الحياة المعاصر، وكان قانون الآثار الأداة التي تُرجمت من خلالها هذه الأولوّيّات إلى واقعٍ على الأرض.
من خلال القانون الذي فصّل بشكلٍ تعسّفيّ بين ما يُعتبر آثار وبين ما لا يُعتبر كذلك، يمكن لدائرة الآثار تجميد تطوير أجزاء من المدينة، كما هو الحال في غزّة الانتدابيّة، وخان العمدان في عكّا، أو في البلدة القديمة في الناصرة، أو حتّى التخلّص تمامًا من المباني المعاصرة، كما هو الحال بالنسبة لبرج الساعة فوق باب الخليل في القدس. كلّ هذا من أجل الحفاظ على الأجزاء "الأثريّة" التي كان ينظر إليها البريطانيّون على أنّها تمثّل بشكلٍ موثوق أكثر المشهد الحقيقيّ للبلاد. بما أنّ قانون الآثار الإسرائيليّ ورث القانون الانتدابيّ، فإنّ المباني التراثيّة الجديدة منذ عام 1700، على سبيل المثال، تلك التي أقيمت مع الاستيطان اليهوديّ في أرض إسرائيل، لم تكن محميّة بموجب القانون.
لذلك، تمّ إنشاء "مجلس الحفاظ على المواقع التراثيّة في إسرائيل" في ثمانينيّات القرن العشرين، وهو المسؤول عن تحديد المباني التي تمّ بناؤها لاحقًا بعد عام 1700 والتي تحتاج إلى الحماية. خلق هذا الأمر وضعًا عبثيًّا أصبح فيه عام 1700، الذي حدّده البريطانيّون في الأصل كالحدّ الأعلى لاختيار المباني التي تستجيب لمعايير المحافظة، هو العام الذي تمّ تحديده في إسرائيل دون أيّ منطق تاريخيّ للحدّ الأدنى لاختيار هذه المباني. اندمج الأصل البريطانيّ، الذي تطرّق بشكلّ أساسيّ للحفاظ على الآثار، والأصل العثمانيّ، الذي أراد حماية الآثار القديمة المختلفة من السرقة، في قانون الانتداب وخليفته القانون الإسرائيليّ، وتمّ تصميمه للتركيز على القطع الأثريّة والمواقع المحدّدة، بدلًا من التركيز على حيّز المشهد التاريخيّ. أثّر هذا التركيز على الطريقة التي سعى بها كلّ من البريطانيّين ودولة إسرائيل إلى تشكيل الطابع المعماريّ في البلاد.